(فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) : بنور الرضاء ، والخمود عند جريان القضاء ، وتلك حقا هى المكانة العظمى والدرجة الكبرى ، ويدخل فى هذه الجملة ترك السكون إلى ما منك من المناقب والتّقى ، ولعقل والحجا ، والتحصيل والنّهى ، والفرار إلى الله ـ عزوجل ـ عن كل غير وسوى.
قوله جل ذكره : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤))
هذه إشارة إلى أقوام قاموا بالله لله ، لا تأخذهم لومة لائم ، ولا تقطعهم عن الله استنامة إلى علة ، وقفوا جملتهم على دلالات أمره ، وقصروا أنفاسهم واستغرقوا أعمارهم على تحصيل رضاه ، عملوا لله ، ونصحوا الدين لله ، ودعوا خلق الله إلى الله ، فربحت تجارتهم ، وما خسرت صفقتهم.
قوله جل ذكره : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥))
هؤلاء أقوام أظهر عليهم فى الابتداء رقوم الطلب ، ثم وسمهم (١) فى الانتهاء بكىّ الفرقة ، فباتوا فى شق الأحباب ، وأصبحوا فى زمرة الأجانب (٢).
قوله جل ذكره : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧))
__________________
(١) الرقم نعت يجرى فى الابتداء والوسم نعت يجرى فى الأبد بما جرى فى الأزل.
(٢) تأمل الدقة فى استعمال (باتوا) وكيف تعبر عن البداية ؛ ثم (أصبحوا) لتعبر عن النهاية.