قوله جل ذكره : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١))
نزّه (١) أحوال الأنبياء عن الدّنس بالخيانات ، فمن حمّلناه من الرسالة إلى عبادنا يوصلها إلى مستحقيها واجبا ، ولا يعتنى بشأن حميم له من دون أمرنا ، ولا يمنع نصيب أحد أمرناه بإيصاله إليه ، بحقد ينطوى عليه. ألا ترى كيف قال : «اذهب فواره» لأبى طالب لمّا قال له أمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه : مات عمّك (٢) الضال. وكيف قبل الوحشىّ قاتل حمزة لمّا أسلم؟
ويقال ما كان لنبى من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يضع أسرارنا فى غير أهلها ، بل ينزلون كل أحد عند ما يستوجبه ، وفى الأثر «أمرنا أن ننزل الناس منازلهم»
قوله جل ذكره : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣))
لا يستوى من رضى عنه فى آزاله ومن سخط عليه فخذله فى أحواله ، وجعله متكلا على أعماله ، ناسيا لشهود أفضاله ، واتباع الرضوان بمفارقة ما زجر عنه ، ومعانقة ما أمر به ، فمن تجرّد عن المزجور ، وتجلّد فى اعتناق المأمور فقد اتبع الرضوان ، واستوجب الجنان.
__________________
(١) أخطأ الناسخ فكتبها (نزح) بالحاء.
(٢) «اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه» هكذا أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن على رضى الله عنه :
وفى السيرة الحلبية : إن هذا الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن الجارود وابن خزيمة عن على قال : لما مات أبو طالب أخبرت النبي (ص) بموته فبكى وقال :
«اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه».
وانظر أيضا «أسنى المطالب فى نجاة أبى طالب» لزينى دحلان ط طهران سنة ١٣٨٢ (ص ٤٤).