قل لهم ـ يا محمد ـ استديموا لأنفسكم الحياة ، وادفعوا عنها هجوم الوفاة!
ومتى تقدرون على ذلك؟! هيهات هيهات!
قوله جل ذكره : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠))
الحياة بذكر الحق بعد ما تتلف النفوس فى رضاء الحق أتمّ من البقاء بنعمة الخلق مع الحجبة عن الحق.
ويقال إن الذي وارثه الحي الذي لم يزل فليس بميت ـ وإن قتل :
وإن كانت العبدان للموت أنشئت |
|
فقتل امرئ فى الله ـ لا شكّ ـ أفضل |
قوله : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) : من علم أن أحباءه ينتظرونه وهم فى الرّفة والنعمة لا يهنأ بعيش دون التأهب والإلمام بهم والنزول عليهم.
قوله جل ذكره : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١))
علّة استبشارهم وموجبه فضل من الله ونعمة منه ، أي لو لا فضله ونعمته بهم وإلا متى استبشروا؟ فليس استبشارهم بالنعمة إنما استبشارهم بأنهم عباده وأنه مولاهم (١) ، ولو لا فضله ونعمته عليهم لما كانت لهم هذه الحالة.
__________________
(١) يقول الدقاق ـ شيخ القشيري وصهره ـ ليس أشرف من العبودية ، ولا اسم أتم للمؤمن من الاسم له بالعبودية ، وقد وصف بها الرسول (ص) فى أشرف أوقاته فى الدنيا ، قال تعالى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)
لا تدعنى إلا بيا عبدها |
|
فإنه أشرف أسمائى (الرسالة ص ١٠٠) |