قوله جل ذكره : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢))
للاستجابة مزية وفضيلة على الإجابة من حيث الإشارة لا من مقتضى العربية (١) وهو أنه يستجيب طوعا لا كرها ، فهم استجابوا لله من غير انطواء على تحمل مشقة بل بإشارة القلب ومحبة الفؤاد واختيار الروح واستحلاء (٢) تحمّل الحكم. فالاستجابة للحق بوجوده ، والاستجابة للرسول ـ عليهالسلام ـ بالتخلّق بما شرع من حدوده.
استجابة الحق بالتحقق بالصفاء فى حق الربوبية ، واستجابة الرسول عليهالسلام بالوفاء فى إقامة العبودية.
(مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) : فى ابتداء معاملاتهم قبل ظهور أنوار التجلي على قلوبهم ، وابتسام الحقائق فى أسرارهم.
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) : «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ... ـ وهو المشاهدة والتقوى ـ ... فإن لم تكن تراه فإنه يراك (٣) ـ وهو المراقبة فى حال المجاهدة.
(أَجْرٌ عَظِيمٌ) لأهل البداية مؤجّلا ، ولأهل النهاية معجّلا.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣))
لم يلتبس على ظواهرهم شىء من أحوال الدنيا إلا انفتحت لهم ـ فى أسرارهم ـ طوالع من الكشوفات ، فازدادوا يقينا على يقين.
__________________
(١) أي على مقتضى صيغ الاشتقاق فى اللغة.
(٢) فى ص (استجلاء) والصواب أن تكون بالحاء.
(٣) «أعبد الله كأنك تراه ...» رواه الطبراني عن أبى الدرداء ، وحسّن السيوطي سنده ، وضعفه المنذرى. قال الحافظ العراقي : رجاله ثقات وفيه انقطاع «أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، واحسب نفسك فى الموتى ، واتق دعوة المظلوم» وفى الحلية عن زيد بن أرقم.