(وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) : فإنّ أسرار الغيب لا تظهر للمتلوثين بأدناس البشرية ، وإن الحق سبحانه مستأثر بعلم ما جلّ وقلّ ، فيختص من يشاء من أنبيائه بمعرفة بعض أسراره :
قوله جل ذكره : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
من آثر شيئا على الله لم يبارك له فيه ؛ فلا يدوم له ـ فى الدنيا ـ بذلك استمتاع ، ولا للعقوبة عليه ـ فى الآخرة ـ عنه دفاع.
والبخل ـ على لسان العلماء ـ منع الواجب ، وعلى مقتضى الإشارة إبقاء شىء ولو ذرة من المال أو نفسا من الأحوال.
قوله جل ذكره : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢))
هذا الخطاب لو كان بين المخلوقين لكان شكوى. والشكوى إلى الأولياء من الأعداء سنّة الأحباب.
ويقال علم أن فى المؤمنين من يغتاب الناس ، وذلك قبيح من قالتهم ، فأظهر قبحا فوق ذلك ليتصاغر قبح قول المؤمنين بالإضافة إلى قبح قول الكفار ، فكأنه قال : لئن قبحت قالتهم فى الاغتياب فأقبح من قولهم قول الكفار حيث قالوا فى وصفنا ما لا يليق بنعمتنا.