وذنب كل أحد يليق بحاله ، فالخواص ذنوبهم حسبانهم أنهم بطاعاتهم يستوجبون محلا وكرامة ، وهذا وهن فى المكانة ؛ إذ لا وسيلة إليه إلا به.
قوله (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) : على لسان أهل العلم : قبل الموت ، وعلى لسان المعاملة : قبل أن تتعود النفس ذلك فيصير لها عادة ، قال قائلهم :
قلت للنّفس إن أردت رجوعا |
|
فارجعى قبل أن يسدّ الطريق |
قوله جل ذكره : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨))
يعنى إذا كشف الغطاء وصارت المعارف ضروريه (١) أغلق باب التوبة ؛ فإن من شرط التكليف أن يكون الإيمان غيبيا. ثم إن فى هذه الطريقة إذا عرف بالخيانة لا يشم بعده حقيقة الصدق. قال داوود ـ عليهالسلام ـ فى آخر بكائه لما قال الله تعالى لم تبكى يا داوود ، وقد غفرت لك وأرضيت خصمك (٢) وقبلت توبتك؟
فقال : إلهى ، الوقت الذي كان بي ردّه إلىّ
فقال : هيهات يا داوود ، ذاك ودّ قد مصى!!
وفى معناه أنشدوا :
فخلّ سبيل العين بعدك للبكا |
|
فليس لأيام الصفاء رجوع |
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ
__________________
(١) المعرفة الضرورية ـ عند القشيري ـ هى التي تنال فى الانتهاء أما فى الابتداء فهى معرفة كسبية والأولى تشبه الشمس والثانية تشبه السراج ، فإذا طلعت الشمس انبسط شعاعها على السراج (الرسالة ص ١٤٩).
(٢) وردت (حضك) ولكن الإرضاء حسبما نعلم من قصة داود كان لخصمه ، لذلك رجحنا أن تكون (خصمك) فإرضاء الخصم ملائم لقبول التوبة والغفران.