والتوحيد أن تعرف أنّ الحادثات كلّها حاصلة بالله ، قائمة به ؛ فهو مجريها ومنشيها ومبقيها ، وليس لأحد ذرة ولا شظية ولا سينة ولا شمة من الإيجاد والإبداع.
ودقائق الرياء وخفايا المصانعات وكوامن الإعجاب والعمل على رؤية الخلق ، واستحلاء مدحهم والذبول تحت ردّهم وذمّهم ـ كلّ ذلك من الشّرك الخفىّ.
قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ) الإحسان إلى الوالدين على وجه التدريج إلى صحبة فإنك أمرت أولا بحقوقهما لأنهما من جنسك ومنهما تربيتك ، ومنهما تصل إلى استحقاق زيادتك وتتحقق بمعرفتك. وإذا صلحت للصحبة والعشرة مع ذوى القربى والفقراء والمساكين واليتامى ومن فى طبقتهم ـ رقّيت عن ذلك إلى استيجاب صحبته ـ سبحانه.
قوله : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ...) الآية من جيرانك (....) (١) فلا تؤذهما بعصيانك ، وراع حقهما بما تولى عليهما من إحسانك.
فإذا كان جار دارك مستوجبا للإحسان إليه ومراعاة حقه فجار نفسك ـ وهو قلبك ـ أولى بألا تضيّعه ولا تغفل عنه ، ولا تمكّن حلول الخواطر الرديئة به.
وإذا كان جار نفسك هذا حكمه فجار قلبك ـ وهو روحك ـ أولى أن تحامى على حقّها ، ولا تمكّن لما يخالفها من مساكنتها ومجاورتها. وجار روحك ـ وهو سرّك ـ أولى أن ترعى حقّه ، فلا تمكنه من الغيبة عن أوطان الشهود على دوام الساعات.
قوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) الإشارة منه غير ملتبسة على قلوب ذوى التحقيق.
قوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ...) الآية : البخل على لسان العلم منع الواجب ، وعلى بيان الإشارة ترك الإيثار فى زمان الاضطرار. وأمر الناس بالبخل معناه منعهم عن مطالبات الحقائق فى معرض الشفقة عليهم بموجب الشرع ، وبيان هذا أن يقع بلسانك الانسلاخ عن العلائق وحذف فضولات الحالة فمن نصحه بأن يقول : «ربما لا تقوى على هذا ، ولأن تكون مع معلومك الحلال أولى بأن تصير مكديا ، وربما تخرج إلى سؤال الناس وأن تكون كلّا على
__________________
(١) مشتبهة.