ويقال يا أيها الذين آمنوا باستعمال أدلة العقول آمنوا إذا أنختم بعقوة الوصول ، واستمكنت منكم حيره البديهة (١) وغلبات الذهول (٢) ثم أفقتم عن تلك الغيبة فآمنوا أن الذي كان غالبا عليكم كان شاهد الحق لا حقيقة الذات (٣) فإن الصمدية منزهة متقدسة عن كل قرب وبعد ، ووصل وفصل.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨))
الذين تبدّلت بهم الأحوال فقاموا وسقطوا ثم انتعشوا ثم ختم بالسوء أحوالهم ، أولئك الذين قصمتهم (٤) سطوة العزة حكما ، وأدركتهم شقاوة القسمة خاتمة وحالا ـ فالحقّ سبحانه لا يهديهم لقصد ، ولا يدلهم على رشد ، فبشّرهم بالفرقة الأبدية ، وأخبرهم بالعقوبة السرمدية.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ
__________________
(١) الحيرة بديهة ترد على قلوب العارفين عند تأملهم وحضورهم وتفكرهم تحجبهم عن التأمل والفكرة ، وقال الواسطي : حيرة البديهة أجل من سكون التولي عن الحيرة (اللمع ص ٤٢١).
(٢) الغلبات عند قوة الرغبة والانفلات من دواعى الهوى والنفوس ، عند قوة رغبة الطالب إذا لاح له أعلام المزيد فى حال طلبه المطلوب ، فلو ظن أن مطلوبه وراء بحر سبحه أو فى تيه سلكه بالهجوم عند غلبات الإرادة وقوة سلطان المطالبة عليه (اللمع ص ٤١٧).
(٣) هذا تنبيه هام وخطير يدحض به المضللين والأدعياء ، أولئك الذين شن عليهم القشيري هجومه العنيف فى مستهل «رسالته» والذين أساءوا إلى التصوف وأهله.
(٤) القصم : الكسر. حكى عن الزقاق أنه قال : لو أن المعاصي كانت شيئا اخترته لنفسى ما أجزتنى ذلك لأن ذلك يشيهنى ، وإنما قصم ظهرى حين سبق لى منه ذلك. (اللمع ص ٤٣٤).