إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠))
من اعتصم بمخلوق فقد التجأ إلى غير مجير ، واستند إلى غير كهف ، وسقط فى مهواة من الغلط بعيد قعرها ، شديد مكرها. أيبتغون العزّ عند الذي أصابه ذل التكوين؟! متى يكون له عزّ على التحقيق؟ ومن لا عزّ له يلزمه فكيف يكون له عز يتعدّى إلى غيره؟
ويقال لا ندرى أي حالتهم أقبح : طلب العز وهم فى ذل القهر وأسر القبضة أم حسبان ذلك وتوهمه من غير الله؟
ويقال من طلب الشيء من غير وجهه فالإخفاق (١) غاية جهده ، ومن رام الغنى (٢) فى مواطن الفاقة فالإملاق قصارى كدّه.
ويقال لو هدوا بوجدان العزّ لما صرفت قصودهم إلى من ليس بيده شىء من الأمر.
قوله : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) العزّ على قسمين : عزّ قديم فهو لله وصفا ، وعزّ حادث يختص به سبحانه من يشاء فهو له ـ تعالى ـ ملكا ومنه لطفا (٣).
قوله (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ....) الآية : لا تجاوروا أرباب الوحشة فإن ظلمات أنفسهم تتعدى إلى قلوبكم عند استنشاقكم ما يردّون من أنفاسهم ، فمن كان بوصف ما متحققا شاركه حاضروه فيه ؛ فجليس من هو فى أنس مستأنس (٤) ، وجليس من هو فى ظلمة مستوحش.
ويقال هجران أعداء الحقّ فرض ، ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين ، والركون إلى أصحاب الغفلة قرع باب الفرقة.
__________________
(١) وردت (الأحقاف) وهى خطأ فى النسخ إذ المقصود الخيبة والإخفاق.
(٢) أخطأ الناسخ فكتبها بالألف هكذا : (الغنا).
(٣) يتساءل القشيري فى كتابه «التحبير فى التذكير» تحت اسم «العزيز» : فإن قيل كيف الجمع بين قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) وقوله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ثم يجيب : لا تنافى بينهما فان العز الذي للرسول وللمؤمنين هو لله تعالى ملكا وخلقا ، وعزه ـ سبحانه وتعالى ـ له وصفا ، فاذا العز كله لله تعالى.
(٤) أخطأ الناسخ إذ كتبها (مستأنف) ولا معنى لها هنا والصواب (مستأنس) لتقابل (مستوحش)