يقال ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات.
فمن ركب محظورا بظاهره حرم (١) ما كان يجده من الأحوال المباحة ، والألطاف الحاصلة فى سرائره.
قوله جل ذكره : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))
الراسخ فى العلم هو ألا يكون فى الدليل مقلّدا ، كما لا يكون فى الحكم مقلدا ، بل يضع النظر موضعه إلى أن ينتهى إلى حد لا يكون للشكّ فى عقله مساغ.
ويقال الراسخ فى العلم من يرتقى عن حد تأمل البرهان (٢) ويصل إلى حقائق البيان.
ويقال الراسخ فى العلم أن يكون بعلمه عاملا حتى يفيد عمله علم ما خفى على غيره ، ففى الخبر : «من عمل بما علمه ورّثه الله علم ما لم يعلم» (٣).
وخصّ (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) فى الإعراب فنصب اللفظ بإضمار أعنى على المدح لما للصلاة من التخصيص من بين العبادات لأنها تالية الإيمان فى أكثر المواضع فى القرآن ، ولأن الله
__________________
(١) أخطأ الناسخ حين كتبها (جرم) بالجيم والصواب أن تكون بالحاء لارتباطها بتحريم المباحات فيما سبق.
(٢) أي ينبغى ألا يعكف الإنسان على العقل وحده بل عليه أن يرتقى عن هذا الحد.
(راجع الهامش الذي يتناول هذه القضية من هذا الكتاب)
(٣) أورده أبو نعيم فى حلية الأولياء عن أنس بن مالك.
ويرى أبو نصر السراج أن هذا العلم الموروث هو علم الاشارة ، فيكشف الله سبحانه لقلوب أصفيائه المعاني المذخورة ، واللطائف والأسرار المخزونة وغرائب العلوم وطرائف الحكم فى معانى القرآن ... اللمع ص ١٤٧ (كتاب المستنبطات).