على البر والتقوى أي الاتصاف بجميل الخصال على الوجه الذي يقتدى بك فيه.
قوله جل ذكره : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
العقوبة ما تعقب الجرم بما يسوء صاحبه. وأشد العقوبة حجاب المعاقب عن شهود المعاقب ؛ فإنّ تجرّع كاسات البلاء بشهود المبلى أحلى من العسل والشهد.
قوله جل ذكره : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)
وأكل الميتة أن تتناول من عرض أخيك على وجه الغيبة (١) ، وليس ذلك مما فيه رخصة بحال لا بالاضطرار ولا بالاختيار ، وغير هذا من الميتة مباح فى حال الضرورة.
ويقال كما أنّ فى الحيوان ما يكون المزكى منه مباحا والميتة منه حراما فكذلك من ذبح نفسه بسكاكين المجاهدات وطهّر نفسه ـ مباح قربه ، حلال صحبته. ومن ماتت نفسه فى ظلمة غفلته حتى لا إحساس له بالأمور الدينية فخبيثة نفسه ، محظور قربه ، حرام معاشرته ، غير مباركة صحبته.
وإنّ السلف سموا الدنيا خنزيرة ، ورأوا أنّ ما يلهى قربه ، وينسى المعبود ركونه ، ويحمل على العصيان جنوحه ـ فهو محرّم على القلوب ؛ ففى طريقة القوم حبّ الدنيا حرام على القلوب ، وإن كان إمساك بعضها حلالا على الأبدان والنفوس.
قوله جل ذكره : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ).
كما أنّ المذبوح على غير اسمه ليس بطيّب فمن بذل روحه فيه وجد روحه منه ، ومن تهارشته كلاب الدنيا ، وقلته مخالب الأطماع ، وأسرته مطالب الأغراض والأعراض ـ فحرام ماله على أهل الحقائق فى مذهب التعزز ، فللشريعة الظرف والتقدير.
وأمّا المنخنقة فالإشارة منه إلى الذي ارتبك فى حبال المنى والرغائب ، وأخذه خناق
__________________
(١) يشير القشيري بذلك إلى قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ...).