قوله جل ذكره : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ).
أي بعد ما أزحتم عن قلوبكم آثار الحسبان ، وتحققتم بأن المتفرد بالإبداع نحن ، فلا تلاحظوا سواى ، ولا يظلّلن قلوبكم إشفاق من غيرى.
ويقال إذا كانت البصائر متحققة بأن النّفع والضر ، والخير والشر لا تحصل شظية منها إلا بقدرة الحق ـ سبحانه ، فمن المحال أن تنطوى ـ من مخلوق ـ على رغب أو رهب.
قوله جل ذكره : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
إكماله الدين ـ وقد أضافه إلى نفسه ـ صونه العقيدة عن النقصان ؛ وهو أنه لما أزعج قلوب المتعرفين لطلب توحيده أمّلها بأنوار تأييده وتسديده ، حتى وضعوا النظر موضعه من غير تقصير ، وحتى وصلوا إلى كمال العرفان من غير قصور.
ويقال إكمال الدّين تحقيق القبول فى المآل ، كما أن ابتداء الدّين توفيق الحصول فى الحال ؛ فلولا توفيقه لم يكن للدين حصول ، ولو لا تحقيقه لم يكن للدين قبول.
ويقال إكمال الدين أنه لم يبق شىء يعلمه الحق ـ سبحانه ـ من أوصافه وقد علّمك.
ويقال إكمال الدين أن ما تقاصر عنه عقلك من تعيين صفاته ـ على التفصيل ـ أكرمك بأن عرّفك ذلك من جهة الإخبار.
وإنما أراد بذكر (الْيَوْمَ) وقت نزول الآية. وتقييد الوقت فى الخطاب بقوله (الْيَوْمَ) لا يعود إلى عين إكمال الدّين ، ولكن إلى تعريفنا ذلك الوقت.
والدّين موهوب ومطلوب ؛ فالمطلوب ما أمكن تحصيله ، والموهوب ما سبق منه حصوله.
قوله جل ذكره : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي).
النعمة ـ على الحقيقة ـ ما لا يقطعك عن المنعم بل يوصلك إليه ، والنعمة المذكورة