وأنت مخير فيما تريد ؛ فسواء أقبلت عليهم فحكمت أو أعرضت فرددت فالاختيار لك.
قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) : الإقساط الوقوف على حدّ الأمر من غير (حنف) (١) إلى الحظ.
قوله جل ذكره : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣))
يعنى أنهم قارفوا الجحد ، وأصرّوا على الغى ، وتعودوا الإعراض عن الإيمان ، فمتى تؤثّر فيهم دعوتك ، وقد سدّت مسامعهم عن القبول ، وطبع على قلوبهم سابق الحكم؟
قوله جل ذكره : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ)
يخبر أنه استحفظ بنى إسرائيل التوراة فحرّفوها ، فلما وكل إليهم حفظها ضيّعوها.
وأمّا هذه الأمة فخصّهم بالقرآن ، وتولّى ـ سبحانه ـ حفظه عليهم فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٢) فلا جرم لو غيّر واحد حركة أو سكونا من القرآن لنادى الصبيان بتخطيئه.
قوله جل ذكره : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).
إنّ الخلق تجرى عليهم أحكام القدرة وأقسام التصريف ؛ فالخشية منهم فرع من المحال ، فإنّ من ليس له شظية من الإيجاد فأنّى تصحّ منه الخشية؟!
__________________
(١) حنف ـ ميل وليس بمستبعد أن تكون فى الأصل (حيف) إلى الحظ وكلاهما مقبول.
(٢) آية ٩ سورة الحجر.