قوله جل ذكره (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
خلق ظلمة الليل وضياء النهار ، ووحشة الكفر والشرك ، ونور العرفان والاستبصار.
ويقال جعل الظلمات نصيب قوم لا لجرم سلف ، والنور نصيب قوم لا لاستحقاق سبق ، ولكنه حكم به جرى قضاؤه.
ويقال جعل ظلمات العصيان محنة قوم ، ونور العرفان نزهة قوم.
قوله جل ذكره : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢))
أثبت الأصل من الطين وأودعها عجائب (السير) (١) ، وأظهر عليها ما لم يظهر على مخلوق ، فالعبرة بالوصل لا بالأصل ؛ فالوصل قربة والأصل تربة ، الأصل من حيث النّطفة والقطرة ، والوصل من حيث القربة والنّصرة.
قوله (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) : جعل للامتحان أجلا ، ثم جعل للامتنان أجلا ، فأجل الامتحان فى الدنيا ، وأجل الامتنان فى العقبى.
ويقال ضرب للطلب أجلا وهو وقت المهلة ، ثم عقبه بأجل بعده وهو وقت الوصلة ؛ فالمهلة لها مدى ومنتهى ، والوصلة بلا مدى ولا منتهى ؛ فوقت الوجود له ابتداء وهو حين تطلع شموس التوحيد ثم يتسرمد (٢) فلا غروب لها بعد الطلوع.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))
__________________
(١) إما ان تكون (السير) جمع سيرة او تكون (السير) مصدر سار يسير ، ولا نستبعد. انها فى الأصل (السر) فالسر ـ كما يقول صاحب اللمع ـ هو خفاء بين العدم والوجود (اللمع ص ٤٣٠)
(٢) وفى ذلك يقول الشبلي :
تسرمد وقتى فيك وهو مسرمد |
|
وأفنيتني عنى فصرت مجردا |
(اللمع ص ٤٤٢)