بقديم عنايته ، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه ، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه ، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه ، قال قائلهم :
مادام عزّك مسعودا طوالعه |
|
فلا أبالى أعاش الناس أم فقدوا |
قوله جلّ ذكره : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة صفة أزلية وهى إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق.
وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم فى الإفادة ، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق ، والرحيم ينعت به غيره ، وبرحمته عرف العبد أنه الرحمن ، ولو لا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن ، وإذا كانت الرحمة إرادة النعمة ، أو نفس النعمة كما هى (عند قوم فالنعم فى أنفسها مختلفة ، ومراتبها متفاوتة فنعمة هى) (١) نعمة الأشباح والظواهر ، ونعمة هى نعمة الأرواح والأسرار.
وعلى طريقة من فرّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى ، والرحيم عام الاسم خاص المعنى ؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم ، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم ، فالرحمن بما روّح ، والرحيم بما لوّح ؛ فالترويح بالمبارّ ، والتلويح بالأنوار : والرحمن بكشف تجلّيه والرحيم بلطف تولّيه ، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى (٢) من العرفان ، والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولّى من الغفران ، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران والرحيم بما يمنّ به من الرضوان ، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما ينعم به من الرؤية والعيان ، بل الرحمن بما يوفق ، والرحيم بما تحقق ، والتوفيق للمعاملات ، والتحقيق للمواصلات ، فالمعاملات للقاصدين ، والمواصلات للواجدين ، والرحمن بما يصنع لهم والرحيم بما يدفع عنهم ؛ فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية.
قوله جل ذكره : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
المالك من له الملك ، وملك الحق سبحانه وتعالى قدرته على الإبداع ، فالملك مبالغة من المالك وهو سبحانه الملك المالك ، وله الملك. وكما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو ، فهو بإلهيته متوحد ، وبملكه متفرد ، ملك نفوس العابدين فصرفها فى خدمته ، وملك قلوب العارفين فشرّفها بمعرفته ، وملك نفوس القاصدين
__________________
(١) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ فأثبتناها فى موضعها.
(٢) وردت (أسرى) والأصح (أسدى).