فتيّمها ، وملك قلوب الواجدين فهيّمها. ملك أشباح من عبده فلاطفها بنواله وأفضاله ، وملك أرواح من أحبهم (....) (١) فكاشفها بنعت جلاله ، ووصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء ووفّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء ، ولم يكلهم إليهم لحظة ، ولا ملّكهم من أمرهم سنّة ولا خطرة ، وكان لهم عنهم ، وأفناؤهم له منهم (٢).
[فصل] ملك قلوب العابدين إحسانه فطمعوا فى عطائه ، وملك قلوب الموحدين سلطانه فقنعوا ببقائه. عرّف أرباب التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم ، علموا أن العبد لا ملك له ، ومن لا ملك له لا حكم له ، ومن لا حكم له لا اختيار له ، فلا لهم عن طاعته إعراض ولا على حكمه اعتراض ، ولا فى اختياره معارضة ، ولا لمخالفته تعرّض ، «ويوم الدين». يوم الجزاء والنشر ، ويوم الحساب والحشر ـ الحق سبحانه وتعالى يجزى كلّا بما يريد ، فمن بين مقبول يوم الحشر بفضله سبحانه وتعالى لا بفعلهم ، ومن بين مردود بحكمه سبحانه وتعالى لا بجرمهم. فأمّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم وأمّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم :
قوم إذا ظفروا بنا |
|
جادوا بعتق رقابنا |
قوله جل ذكره : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
معناه نعبدك ونستعين بك. والابتداء بذكر المعبود أتمّ من الابتداء بذكر صفته ـ التي هى عبادته واستعانته ، وهذه الصيغة أجزل فى اللفظ ، وأعذب فى السمع. والعبادة الإتيان بغاية ما فى (بابها) (٣) من الخضوع ، ويكون ذلك بموافقة الأمر ، والوقوف حيثما وقف الشرع.
والاستعانة طلب الإعانة من الحق.
والعبادة تشير إلى بذل الجهد والمنّة ، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمنّة ، فبالعبادة يظهر شرف العبد ، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد. فى العبادة وجود شرفه ، وبالاستعانة أمان تلفه. والعبادة ظاهرها تذلل ، وحقيقتها تعزّز وتحمّل :
وإذا تذللت الرقاب تقربا |
|
منّا إليك ، فعزّها فى ذلّها |
__________________
(١) مشتبهة فى ص ، وربما كانت (وأحبوه).
(٢) (له) هنا معناها لأجله اى أنه أفناهم من أنفسهم لأجله ليبقوا به ، وكان الأسلم أن تكون العبارة : وأفناؤهم منهم له ولكن حرص المصنّف على مراعاة الانسجام بين عنهم ومنهم.
(٣) وردت (بابه)