من نظرة ـ والعبد قتيل هذه القصة ـ فقوبل بالرّد ، وقيل له : (لَنْ تَرانِي) وكذا قهر الأحباب ولذا قال قائلهم :
جور الهوى أحسن من عدله |
|
وبخله أظرف من بذله |
ويقال لمّا صرّح بسؤال الرؤية ، وجهر صريحا ردّ صريحا فقيل له : (لَنْ تَرانِي) ، ولما قال نبيّنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بسرّه فى هذا الباب ، وأشار إلى السماء منتظرا الرد والجواب من حيث الرمز نزل قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) (١) فردّه إلى شهود الجهات والأطلال إشارة إلى أنه أعزّ من أن يطمح إلى شهوده ـ اليوم ـ طرف ، بل الألحاظ مصروفة موقوفة ـ اليوم ـ على الأغيار (٢).
ويقال لما سمت همّته إلى أسنى المطالب ـ وهى الرؤية ـ قوبل «بلن ، ولمّا رجع إلى الخلق وقال للخضر (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) ، قال الخضر : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٣) فقابله بلن ، فصار الردّ موقوفا على موسى ـ عليهالسلام من الحق ومن الخلق ، ليكون موسى بلا موسى ، ويكون موسى صافيا عن كل نصيب لموسى من موسى ، وفى قريب منه أنشدوا :
(.......) (٤) نحن أهل منازل |
|
أبدا غراب البين فينا ينعق |
ويقال طلب موسى الرؤية وهو بوصف التفرقة فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فأجيب بلن لأن عين الجمع أتم من عين الفرق. فزع موسى حتى خرّ صعقا ، والجبل صار دكّا. ثم الروح بعد وقوع الصعقة على القالب مكاشفته بما هو حقائق الأحدية ، ويكون الحقّ ـ بعد امتحاء معالم موسى ـ خيرا لموسى من بقاء موسى لموسى ، فعلى الحقيقة : شهود الحقائق بالحقّ أتم من بقاء الخلق بالخلق ، كذا قال قائلهم :
__________________
(١) آية ١٤٤ سورة البقرة.
(٢) من هذا ـ ومما أوضحه فى رسالته ـ نعرف أن القشيري لا يرى بجواز رؤية الله بالبصر فى هذه الدنيا.
(٣) آية ٦٧ سورة الكهف.
(٤) هنا لفظتان مطموستان ونعرف أنهما «أبنى أبينا ...»