وأبرح ما يكون الشوق يوما |
|
إذا دنت الخيام من الخيام |
ويقال صار موسى ـ عليهالسلام ـ عند سماع الخطاب بعين السّكر فنطق ما نطق ، والسكران لا يؤخذ بقوله ، ألا ترى أنه ليس فى نص الكتاب معه عتاب بحرف؟
ويقال أخذته عزّة السّماع فخرج لسانه (١) عن طاعته جريا على مقتضى ما صحبه من الأريحيّة وبسط الوصلة.
ويقال جمع موسى ـ عليهالسلام ـ كلمات كثيرة يتكلم بها فى تلك الحالة ؛ فإن فى القصص أنه كان يتحمل فى أيام الوعد كلمات الحق ، ويقول لمعارفه : ألكم حاجة إلى الله؟ ألكم كلام معه؟ فإنى أريد أن أمضى إلى مناجاته.
ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر ـ مما دبّره فى نفسه ، وتحمله من قومه ، وجمعه فى قلبه ـ شيئا ولا حرفا ، بل نطق بما صار فى الوقت غالبا على قلبه ، فقال : ربّ : أرنى أنظر إليك ، وفى معناه أنشدوا :
فيا ليل كم من حاجة لى مهمة |
|
إذا جئتكم ليلى فلم أدر ماهيا |
ويقال أشدّ الخلق شوقا إلى الحبيب أقربهم من الحبيب ؛ هذا موسى عليهالسلام ، وكان عريق الوصلة ، واقفا فى محل المناجاة ، محدقة به سجوف التولي ، غالبة عليه بواده الوجود ، ثم فى عين ذلك كان يقول : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) كأنه غائب عن الحقيقة. ولكن ما ازداد القوم شربا إلا ازدادوا عطشا ، ولا ازدادوا تيما إلا ازدادوا شوقا ، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال ، والحقّ ـ سبحانه ـ يصون أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال (٢).
ويقال نطق موسى عليهالسلام بلسان الافتقار فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولا أقلّ
__________________
(١) تعليل القشيري لموقف الإفصاح الذي وقفه موسى يوضح كيف يلتمس هذا الباحث مبروا لشطحات الصوفية ـ بطريق غير مباشر ، ويعزو ذلك تارة للسكر الروحي وتارة لوقوع العبد تحت تأثير العزة الإلهية ، فيخرج اللسان عن طاعته.
(٢) وفى ذلك أنشدوا :
فما مل ساقينا وما مل شارب |
|
عقار لحاظ كأسه يسلب اللبا |