استصحبتنى حال المرور إلى فرعون؟ بل صبر ورضى بما لزم ، وهذه من شديدات بلاء الأحباب ، وفى قريب منه أنشدوا :
قال لى من أحب والبين قد |
|
حلّ وفاقا لزفرتى وشهيقى |
ما ترى فى الطريق تصنع بعدي |
|
قلت : أبكى عليك طول الطريق |
ثم إن موسى لما رجع من سماع الخطاب ، فرأى من قومه ما رأى من عبادة العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه حتى استلطفه هارون ـ عليهالسلام ـ فى الخطاب ، فقال : «يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى».
ويقال لو قال هارون ـ عليهالسلام : إن لم تعوضنى عما فاننى من الصحبة فلا تعاتبنى فيما لم أذنب فيه بحال ذرة ولا حبّة ... لكان موضع هذه القالة.
ويقال الذنب كان من بنى إسرائيل ، والعتاب جرى مع هارون ، وكذا الحديث والقصة ، فما كلّ من عصى وجنى استوجب العتاب ، فالعتاب ممنوع عن الأجانب.
قوله جل ذكره : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)
جاء موسى مجىء المشتاقين مجىء المهيّمين ، جاء موسى بلا موسى ، جاء موسى ولم يبق من موسى شىء لموسى. آلاف الرجال قطعوا مسافات طويلة فلم يذكرهم أحد ، وهذا موسى خطا خطوات فإلى القيامة يقرأ الصبيان : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى).
ويقال لما جاء موسى لميقات بأسطر الحقّ ـ سبحانه ـ سقط بسماع الخطاب ، فلم يتمالك حتى قال : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، فإن غلبات الوجد عليه استنطقته بطلب كمال الوصلة من الشهود ، وكذا قالوا :