قوله جل ذكره : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤))
هذا الخطاب لتدارك قلب موسى ـ عليهالسلام ـ بكل هذا الرّفق ، كأنه قال : يا موسى ، إنى منعتك عن شىء واحد وهو الرؤية ، ولكنى خصصتك بكثير من الفضائل ؛ اصطفيتك بالرسالة ، وأكرمتك بشرف الحالة ، فاشكر هذه الجملة ، واعرف هذه النعمة ، وكن من الشاكرين ، ولا تتعرض لمقام الشكوى ، وفى معناه أنشدوا :
إن أعرضوا فهم الذين تعطّفوا |
|
وإن جنوا فاصبر لهم إن أخلفوا |
وفى قوله سبحانه : (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) إشارة لطيفة كأنه قال : لا تكن من الشاكين ، أي إن منعتك عن سؤلك ، ولم أعطك مطلوبك فلا تشكى إذا انصرفت.
قوله جل ذكره : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ)
وفى الأثر : أن موسى عليهالسلام كان يسمع صرير القلم ، وفى هذا نوع لطف لأنه إن منع منه النظر أو منعه من النظر فقد علله بالأثر (١).
قوله جل ذكره : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ).
فيه إشارة إلى أن الأخذ يشير إلى غاية القرب ، والمراد هاهنا صفاء الحال ، لأن قرب المكان لا يصحّ على الله سبحانه.
قوله جل ذكره : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها).
فرق بين ما أمر به موسى من الأخذ وبين ما أمره أن يأمر به قومه من الأخذ ، أخذ موسى عليهالسلام من الحق على وجه من تحقيق الزلفة وتأكيد الوصلة ، وأخذهم أخذ قبول من حيث التزام الطاعة ، وشتان ما هما!.
__________________
(١) نلاحظ أن القشيري كان ممتعا أشد ما يكون الإمتاع حين استغل موقف شهود موسى استغلالا جميلا أوشك أن يحيط بكل جوانب هذه اللحظات الحاسمة فى الحياة الروحية ، فاجتمعت إشاراته لتكون درسا في غاية الدقة والإفادة.