قوله : (بِأَحْسَنِها) بمعنى بحسنها ، ويحتمل أن تكون الهمزة للمبالغة يعنى : بأحسنها ألا تعرّج على تأويل وارجع إلى الأولى (١).
قوله جل ذكره : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ).
يعنى عليها غبرة العقوبة ، خاوية على عروشها ، ساقطة على سقوفها ، منهدّ بنيانها ، عليها قترة العقاب.
والإشارة من دار الفاسقين إلى النّفوس المتابعة للشهوات ، والقلوب التي هى معادن المنى وفاسد الخطرات ، فإنّ الفسق يوجب خراب المحل الذي يجرى فيه ؛ فمن جرى على نفسه فسق خربت نفسه. وآية خراب النفوس انتفاء ما كان عليها وفيها من سكان الطاعات ، فكما تتعطل المنازل عن قطانها إذا تداعت للخراب فكذلك إذا خربت النفوس بعمل المعاصي فتنتفى عنها لوازم الطاعات ومعتادها ، فبعد ما كان العبد يتيسر عليه فعل الطاعات لو ارتكب شيئا من المحظورات يشق عليه فعل العبادة ، حتى لو خيّر بين ركعتى صلاة وبين مقاساة كثير من المشاق آثر تحمل المشاقّ على الطاعة .. وعلى هذا النحو ظلم القلوب وفسادها فى إيجاب خراب محالها.
قوله جل ذكره : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها)
سأحرم المتكبرين بركات الاتباع حتى لا يقابلوا الآيات التي يكاشفون بها بالقبول ، ولا يسمعوا ما يخاطبون به بسمع الإيمان.
والتكبّر جحد الحق ـ على لسان العلم ، فمن جحد حقائق الحقّ فجحوده تكبّره واعتراضه على التقدير مما يتحقق جحوده فى القلب.
__________________
(١) يوجه القشيري هذه الإشارة نحو موضوع الرخص ، فمن المعلوم أنه يرى ان من الأفضل الا يلجا المريد للرخصة ، وفعل الأولى عنده هو ترك الرخصة لأنها للمستضعفين وأرباب الحوائج والأشغال من الكافة ، والمريد لا حاجة له ولا شغل إلا لربه وبربه.