(وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) أي بما يكاشفهم به فى الأنظار مما يقفون عليه بوجوه الاستدلال ، وبما يلاطفهم به فى الأسرار مما يجدونه فى أنفسهم من فنون الأحوال.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)
أظهر شرف المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقوله : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) أي أنه لم يكن شىء من فضائله وكمال علمه وتهيؤه إلى تفصيل شرعه من قبل نفسه ، أو من تعلّمه وتكلّفه ، أو من اجتهاده وتصرّفه .. بل ظهر عليه كلّ ما ظهر من قبله ـ سبحانه ـ فقد كان هو أمّيا غير قارئ للكتب ، ولا متتبّع للسّير.
ثم قال : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) : والمعروف هو القيام بحق الله ، والمنكر هو البقاء بوصف الحظوظ وأحكام الهوى ، والتعريج فى أوطان المني ، وما تصوّره للعبد تزويرات الدعوى (١). والفاصل بين الجسمين ، والمميّز بين القسمين ـ الشريعة ، فالحسن من أفعال العباد ما كان بنعت الإذن من مالك الأعيان فلهم ذلك ، والقبيح ما كان موافقا للنّهى (٢) والزجر فليس لهم فعل ذلك.
قوله جل ذكره : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ).
الإصر الثّقل ، ولا شىء أثقل من كدّ التدبير ، فمن ترك كد التدبير إلى روح شهود التقدير ، فقد وضع عنه كلّ إصر ، وكفى كلّ وزر وأمر.
والأغلال التي كانت عليهم هى ما ابتدعوه من قبل أنفسهم باختيارهم فى التزام طاعات
__________________
(١) يقصد بها دعوى النفس أنها على شىء وذلك زور وباطل.
(٢) وردت (الهنى) وهى خطأ فى النسخ.