قوله جل ذكره : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)
أي ملنا إلى دينك ، وصرنا لك بالكلية ، من غير أن نترك لأنفسنا بقية.
قوله جل ذكره : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
وفى هذا لطيفة ؛ حيث لم يقل : عذابى لا أخلى منه أحدا ، بل علّقه على المشيئة. وفيه أيضا إشارة ؛ أن أفعاله ـ سبحانه ـ غير معلّلة بأكساب الخلق ؛ لأنه لم يقل : عذابى أصيب به العصاة بل قال : (مَنْ أَشاءُ) ؛ وفى ذلك إشارة إلى جواز الغفران لمن أراد لأنه قال : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) فإذا شاء ألا يصيب به أحدا كان له ذلك ، وإلا لم يكن حينئذ مختارا.
ثم لمّا انتهى إلى الرحمة قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) لم يعلّقها بالمشيئة ؛ لأنها نفس المشيئة ولأنها قديمة ، والإرادة لا تتعلق بالقديم. فلمّا كان العذاب من صفات الفعل علّقه بالمشيئة ، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات.
ويقال فى قوله تعالى : (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) مجال لآمال العصاة ؛ لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعابدين والعارفين فهم (شَيْءٍ) (١).
قوله جل ذكره : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ).
أي سأوجبها لهم ، فيجب الثواب للمؤمنين من الله ولا يجب لأحد شىء على الله إذ لا يجب عليه شىء لعزّة فى ذاته (٢).
قوله هاهنا : (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي يجتنبون أن يروا الرحمة باستحقاقهم ، فإذا اتقوا هذه الظنون ، وتيقنوا أن أحكامه ليست معللة بأكسابهم ـ استوجبوا الرحمة ، ويحكم بها لهم.
__________________
(١) اى ضمن (شىء) التي فى الآية (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
(٢) أي بخلاف المعتزلة الذين يقولون بالوجوب (على) الله ، وشتان بين الوجوب (من) الله والوجوب (عليه) ؛ فالوجوب من الله فضل ، والوجوب على الله إلزام.