شتّان بين أمة وأمة ؛ أمة يختارهم نبيّهم ـ عليهالسلام ، وبين أمة اختارها الحقّ ـ سبحانه ، فقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (١).
الذين اختارهم موسى قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) والذين اختارهم الحق ـ سبحانه ـ قال الله تعالى فيهم : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢).
ويقال إن موسى ـ عليهالسلام ـ جاهر الحقّ ـ سبحانه ـ بنعت التحقيق وفارق الحشمة وقال صريحا : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ثم وكل (٣) الحكم إليه فقال : (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) ثم عقّبها ببيان التضرع فقال : (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) ، ولقد قدّم الثناء على هذا الدعاء فقال : (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا).
قوله جل ذكره : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ)
نطق بلسان التضرع والابتهال حيث صفّى إليه الحاجة ، وأخلص له فى السؤال فقال : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) أي اهدنا إليك.
وفى هذه إشارة إلى تخصيص نبيّنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقّ لأن موسى ـ عليهالسلام قال : (وَاكْتُبْ لَنا فِي ....) ونبيّنا صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين» ولا أقلّ من ذلك ، وقال : «واكفلنى كفالة الوليد» ثم زاد فى ذلك حيث قال : «لا أحصى ثناء عليك» (٤).
__________________
(١) آية ٣٢ سورة الدخان والمقصود أمة المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
(٢) آية ٢٢ سورة القيامة
(٣) وردت (وقل) والصواب أن تكون (وكل) إليه الحكم.
(٤) قال صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اكفلنى كفالة الوليد ، ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين ، وجهت وجهى إليك ، وألجأت ظهرى إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك».
اللهم اكفلنى كفالة الوليد ... علمها النبي (ص) لبعض أصحابه ، للشيخين من حديث البراء. اللهم أمتعني بسمعى وبصرى : الترمذي ، والحاكم عن أبى هريرة «ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين» الحاكم من حديث أنس قال : صحيح على شرط الشيخين ، وعلّمه صلىاللهعليهوسلم لابنته الزهراء.