إلا الصدق ، وإنّ التعريج فى أوطان الحظوظ والجنوح إلى محتملات الرّخص فسخ لأكيد مواثيق الحقيقة ، ومن شاب شوّب له ، ومن صفّى صفى له.
قوله جل ذكره : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤))
الحقائق ـ وإن كانت لازمة ـ فليست للعبد عند لوازم الشرع عاذرة (١) بل الوجوب يفترض شرعا ، وإن كان التقدير غالبا بكل وجه.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥))
إذا تمادى العبد فى تهتّكه ، ولم يبال بطول الإمهال والسّتر لم تهمل يد التقدير عن استئصال العين ، ومحو الأثر ، وسرعة الحساب ، وتعجيل العذاب الأدنى قبل هجوم الأكبر. ثم البريء فى فضاء السلامة ، وتحت ظلّ الحفظ ، ودوام روح التخصيص وبرد عيش التقريب.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦))
إذا انتهت مدة الإمهال فليس بعده إلا حقيقة الاستئصال ، وإذا سقط العبد من عين الله لم ينتعش بعده أبدا ، فمن أسقطه حكم الملوك فلا قبول له بعد الردّ ، وفى معناه أنشدوا :
إذا انصرفت نفسى عن الشيء لم تكد |
|
إليه بوجه آخر الدهر تقبل |
قوله جل ذكره : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ
__________________
(١) أي لا ينبغى نصرة الحقيقة على حساب الشريعة بحال.