ويقال تجلّى لقوم فتولّى تعريفهم فقالوا : (بَلى) عن حاصل يقين ، وتعزّز عن آخرين فأثبتهم فى أوطان الجحد فقالوا : (بَلى) عن ظن وتخمين.
ويقال جمع المؤمنين فى الأسماء ولكن غاير بينهم فى الرتب ؛ فجدب قلوب قوم إلى الإقرار بما أطمعها فيه من المبارّ ، وأنطق آخرين بصدق الإقرار بما أشهدهم من العيان وكاشفهم به من الأسرار.
ويقال فرقة ردّهم إلى الهيبة فهاموا ، وفرقة لاطفهم بالقربة فاستقاموا.
ويقال عرّف الأولياء أنه من هو فتحققوا بتخليصهم ، ولبّس على الأعداء فتوقفوا لحيرة عقولهم.
ويقال أسمعهم وفى نفس ما أسمعهم أحضرهم ، ثم أخذهم عنهم فيما أحضرهم ، وقام عنهم فأنطقهم بحكم التعريف ، وحفظ عليهم ـ بحسن التولي ـ أحكام التكليف (١) وكان ـ سبحانه ـ لهم مكلّفا ، وعلى ما أراده مصرّفا ، وبما استخلصهم له معرّفا ، وبما رقاهم إليه مشرّفا.
ويقال كاشف قوما ـ فى حال الخطاب ـ بجماله فطوحهم فى هيمان حبه ، فاستمكنت محابّهم فى كوامن أسرارهم ؛ فإذا سمعوا ـ اليوم ـ سماعا تجددت (تلك الأحوال ، فالانزعاج الذي يظهر فيهم لتذكّر ما سلف لهم) (٢) من العهد المتقدم (٣).
ويقال أسمع قوما بشاهد الربوبية فأصحاهم عن عين الاستشهاد فأجابوا عن عين التحقيق ، وأسمع آخرين بشاهد الربوبية فمحاهم عن التحصيل فأجابوا بوصف الجحود.
ويقال أظهر آثار العناية بدءا حين اختصّ بالأنوار التي رشت عليهم قوما ، فمن حرمه تلك الأنوار لم يجعله أهلا للوصلة ، ومن أصابته تلك الأنوار أفصح بما خصّ به من غير مقاساة كلفة.
__________________
(١) لاحظ مدى إلحاح القشيري على التزام أحكام التكليف ما سنحت له مناسبة.
(٢) ما بين القوسين مذكور فى الهامش أثبتناه في موضعه من النص حسب العلامات المميزة
(٣) من هذا ومما ثلاه يتضح كيف ارتبطت الولاية بالفطرة والاجتباء والخصوصية منذ يوم الذر وكذلك الشأن فى العداوة.