الأقطار ، وقد تخاطف الطلاب والأدباء تصانيفه ، وطولب بالتأليف فى مختلف علوم اللغة ، فلم يرد طلب المشتغلين عليه ، وألف لهم ، حتى ذاعت تصانيفه وانتشرت شهرته ، وكان خليقا بهذا العالم الفذ أن يكون له تاريخ حافل بالأخبار ، يحكى تفاصيل حياته ويروى دقائق طفولته وشبابه وكهولته.
ولعل القصور فى ذلك يرجع إلى أنه عاش حياة علمية خالصة فلم يختلط بحياة الناس العامة ، وعلى ذلك لم توجد له أخبار مثيرة ، وإن كان يشير بنفسه إلى اختلاطه حين يذكر بعض المسائل التى كان يحاج بها أساتذته ، منهم (الحواليقى وابن الشجرى).
وحين يشير إلى ردوده على بعض المسائل التى سئل عنها من أولاد الحليفة والتى ضمنها كتابه (المسائل الخرسانية). ومن أن المستضىء (١) حمل إليه خمسمائة دينار فردها فقيل له : «اجعلها لولدك» فقال : «إن كنت خلقته فأنا أرزقه (٢)».
وتروى المصادر أيضا أنه تزوج وله ولد ، وأنه أخذ العلم عن أبيه الذى لم تذكر المصادر أى شىء يدل على مكانة ذلك الوالد من الناحية الاجتماعية أو العلمية.
وهكذا تجمل الكتب حياته إجمالا عجيبا وتكاد المصادر تجمع على أقوال واحدة تتردد فيها جميعا ، ثم تذكر كتب التراجم أن له كتابا يسمى (تاريخ الأنبار (٣)) فإذا قيض لهذا الكتاب أن يظهر ، فإنى أعتقد أنه سوف يلقى ضوءا على حياة رجلنا وغيره من الرجال الذين ينتسبون لهذا البلد.
ومهما يكن من أمر ، فهو الفقيه المتفنن ، صاحب التصانيف المفيدة ، والورع والزهد ، كان إماما صدوقا فقيها مناظرا غزير العلم ورعا زاهدا تقيا عفيفا خشن
__________________
(١) الإمام المستضىء بأمر الله أمير المؤمنين أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد ... توفى ثانى ذى القعدة ٥٧٥ ه. تاريخ الكامل ١٨٧ ـ ١١.
(٢) شذرات الذهب ٣٥٩ ـ ٤.
(٣) الأنبار : بلدة على الضفة الشرقية للفرات على بعد عشرة فراسخ (نحو ٦٥ كم) غربى بغداد عامرة كثيرة النخيل والزروع والثمار الحسنة ، ولزمها هذا الاسم الفارسى ، لأن كسرى كان يتخذ فيها أنابير الطعام ، ومن كثرة مخازن الحنطة والشعير فيها ، والتاريخ يعرفها أول عاصمة لدولة بنى العباس ، فقد اتخذها أول خلفائهم أبو العباس السفاح مقرا له بعد الحيرة ، وبقيت كذلك أيام المنصور حتى بنى بغداد فانتقل إليها. انظر (الأنبار) فى معجم البلدان لياقوت ، وكتاب البلدان لليعقوبى ، ووفيات الأعيان ؛ ومفرد الأنبار (نبر) بكسر النون وسكون الباء.