العالمين ، ويمد الضالين كما يمد القارئ. قوله تعالى : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ، يؤتى الأنبياء والملوك ، قال ابن عباس : من أمر الدنيا والآخرة.
وقال مقاتل : يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والرياح ، (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) ، الزيادة الظاهرة على ما أعطى غيرنا.
وروى أن سليمان عليهالسلام أعطني ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ، ملك جميع أهل الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع ، وأعطي على ذلك منطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠))
قوله عزوجل : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ) ، وجمع لسليمان ، (جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) في مسيره ، (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، فهم يكفون. قال قتادة : كان على كل صف من جنوده وزعة تردّ أولها على آخرها لئلا يتقدموا في السير ، والوازع الحابس ، وهو النقيب ، وقال مقاتل : يوزعون يساقون ، وقال السدي : يوقفون. وقيل : يجمعون. وأصل الوزع الكف والمنع ، قال محمد بن كعب القرظي : كان معسكر سليمان مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للإنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش ، وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة زوجة ، وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه ، ويأمر الرخاء فتسير به ، فأوحى الله إليه وهو (١) بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلّا جاءت به الريح ، فأخبرتك.
قوله عزوجل : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) ، روي عن وهب بن منبه عن كعب قال : كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه ، وقد اتخذ مطابخ ومخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام ، ويسع كل قدر عشر جزائر ، وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض ، والريح تهوي بهم فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك مدينة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال سليمان : هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه ، ورأى حول البيت أصناما تعبد من دون الله فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت ، فأوحى الله إلى البيت ما يبكيك؟ قال : يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مرّوا عليّ فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي ، والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا تبك ، فإني سوف أملؤك وجوها سجدا وأنزل فيك قرآنا جديدا ، وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إليّ وأجعل فيك عمّارا من خلقي يعبدونني ، وأفرض على عبادي فريضة يذفون (٢) إليك ذفيف النسور إلى وكرها ، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها
__________________
(١) زيد في المطبوع «يسير».
(٢) في المطبوع وحده «يزفون» ـ «زفيف».