(قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : من إغوائهم واستهوائهم ، حتى صاروا لكم أشياعا وأتباعا.
(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : وقال أولياء الجن الذين أطاعوهم من الإنس : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) ، أي : انتفع بعضنا ببعض ، واستمتاع الإنس بالجن ما حصل لهم من الشهوات بواسطة تسويلهم وتسهيلهم ، واستمتاع الجن بالإنس طاعتهم لهم فيما زيّنوه لهم من الكفر والمعاصي.
فإن قيل : أي غرض لهم ونفع في كفر الإنس ومعصيتهم؟
قلت : هم قوم طبعوا على الشّر ، فهم يرتاحون إلى اجتذاب الإنس إليه وإن لم يكن لهم فيه نفع ، كما قيل (١) :
من الناس من يرتاح للشرّ طبعه |
|
وإن لم يكن فيه غنى وغناء |
كما يشرف الياقوت والدّرّ عقعق |
|
وليس له في ذا وذاك غذاء |
وقيل : استمتاع الإنس ما في قوله : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] ، وكان الرجل إذا نزل واديا أو أراد مبيتا قال : أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله.
واستمتاع الجن : فخرهم بذلك على قومهم حيث اعترف لهم الجن والإنس بالسيادة. وهذان القولان مرويان عن ابن عباس (٢).
وقيل : استمتاع الجن : إغواؤهم الإنس ، واستمتاع الإنس : ما يتلقونه منهم
__________________
(١) لم أعرف قائل البيتين.
(٢) زاد المسير (٣ / ١٢٣).