صوتا عاليا ، ثم تسوّر عليه رجلان حتى اقتحما عليه ، فلما رآهما فزع منهما قالا : (لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) يعني : اعتدى بعضنا على بعض وظلمه ، (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) يعني : ولا تجر ، (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) يعني : إلى قصد السبيل ، فقال داود عليهالسلام : قصّا عليّ قصتكما. قال : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) يعني : قهرني وظلمني وأخذ نعجتي فضمّها إلى نعاجه. «وعزني في الخطاب» يعني : إذا تكلم كان أبلغ في [المخاطبة](١) مني ، وإذا دعا كان أسرع إجابة مني ، وإذا خرج كان يعني أكثر تبعا مني. فقال داود عليهالسلام : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ).
قال : فضحك المدّعى عليه ، فقال داود عليهالسلام : تظلم وتضحك ، ما أحوجك إلى قدوم (٢) يرضّ منك هذه وهذه ، يعني : جبهته وفاه ، قال الملك : بل أنت أحوج إلى ذلك منه ، وارتفعا (٣).
وفي رواية : قال : فتجولا في صورتهما وعرجا وهما يقولان : قضى الرجل على نفسه.
وعلم داود أنما عني به ، فخرّ ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بد منها ، ثم يعود فيسجد لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي ، حتى نبت العشب حول
__________________
(١) في الأصل : المخابة.
(٢) القدوم : معروفة ، وهي التي ينحت بها (اللسان ، مادة : قدم).
(٣) ذكره الطبري (٢٣ / ١٤٦) وما بعدها ، والسيوطي في الدر (٧ / ١٥٨) وما بعدها.