حتى قال : «ملكا» ، ثم لم يكتف حتى قال : «لا ينبغي لأحد من بعدي» ، وهو سؤال يلوح منه الحرص ويؤذن بالحسد؟
قلت : عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه لم يرد الملك والاستبداد به ليتنعم به ويمرح نفسه في لذات الدنيا ، بل أراد الاستظهار على الكفرة والفجرة والمردة من الجن والإنس بمعجزة النبوة وقوة الملك ليأخذ بنواصيهم إلى طاعة الله تعالى.
الثاني : أنه أراد ملكا مستقرا محفوظا لا يسلب عنه ولا يقوم به غيره بدلا عنه ، كما سلبه أولا وأقيم فيه الجسد على كرسيه. وهذا معنى [قول](١) الحسن (٢).
الثالث : أن المعنى : هب لي ملكا تكون فيه آية تدل على نبوّتي ، ولا ينبغي لأحد من الآدميين الذين ليسوا بأنبياء ، ويكون في ذلك آية تدل على أنك قد غفرت لي ورددت إليّ نبوتي ، ودليله قوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) وما بعده. قاله الزجاج (٣).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن عفريتا من الجن تفلّت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي ، فأمكنني الله تعالى منه ، فأخذته فأردت أن [أربطه](٤) إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فرددته
__________________
(١) في الأصل : وقول.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ١٨٦) وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) معاني الزجاج (٤ / ٣٣٣).
(٤) في الأصل : أرطبه. والتصويب من الصحيحين.