ووافقه الزمخشري على رأيه مضيفاً رأياً عن الحسن : قد علم الله أنّه ما به إليهم حاجة ، ولكنّه أراد أن يستنّ به من بعده ، وعن النبي(صلى الله عليه وآله) : «ما تشاور قوم قط إلاّ هدوا لأرشد أمرهم» ، فإنّ ما هو أصلح لك لا يعلمه إلاّ الله لا أنت ولامن تشاور(١).
ونقل القرطبي قولا عن الحسن البصري والضحّاك قالا : ما أمر الله تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ، وإنّما أراد أن يعلّمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده.
وروى سهل بن سعد الساعدي ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «ما شقي قط عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي» وقال بعضهم : شاور من جرّب الأمور ، فإنّه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالباً وأنت تأخذه مجّاناً(٢).
هذا ما أردنا ذكره ليتعرّف القارىء العزيز على فضل التشاور إذا كان بين النبي والناس وبين الناس أنفسهم ، فكيف إذا كانت المشاورة بين العبد وربّه ، فإنّهاأعلى مراتب الاستشارة ، لأنّ العبد هو الفقير في كلّ شيء ، والربّ الجليل هوالغنيّ في كلّ شيء ، ولذا يستوجب على العبد إذا استشار ربّه الغني أن يُسلّم لما يُشير عليه ربّه ، إن كان أمراً فيأتمر به ، وإن كان نهياً فينتهي عنه.
وأمّا بالنسبة للخيرة ، فقد قال الطبرسي في مجمع البيان : لأنّ حقيقة المعنى فيهما أنّه سبحانه يختار وإليه الاختيار ليس لمن دونه الاختيار ، لأنّ الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار ، ولا يعلم غيره سبحانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الكشّاف ١ / ٦٤٧ ـ ٦٤٨.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.