عندك من هو أخبر بالأشياء من حالها ، وهو أعرف بالأمور من مدبّرها ، ومن هو أبرّ بك من ربّك ، وألطف بك من بارئك ومنشئك ، فكيف تقدّم استشارة أحد عليه ، وتصبو إلى قوله وتعتمد عليه ، وتترك ربّك ربّ الأرباب ، ومسبّب الأسباب ، والعالم بالخفيّات والمطّلع على النيّات ، فإن فعلت واعتمدت على غيره ، وهو قد ندب إلى مشاورته ، وفتح الأبواب للطلاّب ، فاستعدّ للندم جلباباً ، وللحزن أثواباً.
قال السيّد الجليل المتألّه ابن طاووس رحمهالله في كتابه فتح الأبواب : المشاورة بعد استخارته سبحانه وتعالى ، فقد رأينا تصريح النهي(١) عن تقديم مشاورة أحد من العباد ، قبل مشاورة سلطان المعاد(٢).
فقد روى أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه عن الصادق عليهالسلام ، وعنه(صلى الله عليه وآله) ، أنّه سبحانه وتعالى قال : «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني»(٣).
وعنه عليهالسلام : «من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتُلي لم يؤجر»(٤).
فقد ظهر لك من هذين الحديثين أنّه من دخل في أمر بغير استخارة ، فقد خرج عن ضمان الله تعالى ، وصار بلاؤه على نفسه ، ولا يؤجر على قليله وكثيره(٥) ، وأيّ عاقل يرضى لنفسه أن يدخل في أمر قد أعرض الله عنه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) في المصدر : قد رأينا وروينا تصريحاً في النهي.
(٢) فتح الأبواب : ١٣٦.
(٣) تقدّمت مصادره في صفحة : ١٩.
(٤) تقدّمت مصادره في صفحة : ١٩.
(٥) في المصدر زيادة : أما تبيّن لك من هذا أنّه لو كان الله جلّ جلاله مع العبد إذا دخل في أمربغير مشاورته ، ما كان قد ضاع عليه شيء من ثواب مصيبته.