الثالث : أن يكون ذكر الإرادة في الآية مجازاً واتّساعاً وتنبيهاً على المعلوم من حال القوم وعاقبة أمرهم وأنّهم متى أمروا فسقوا وخالفوا ، كقولهم : إذا أراد المريض أن يموت خلط في مآكله ومعلوم أنّ العليل لم يرد ذلك ، لكن لما كان المعلوم من حاله الهلاك حسن هذا الكلام واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه ، وكلام العرب وحي وإشارات واستعارة ومجاز ، ولهذا كان كلامهم في الرتبة العليا من الفصاحة فإنّ الكلام متى جرى كلّه على الحقيقة كان بعيداً من الفصاحة بريّاً من البلاغة ، وكلام الله أفصح الكلام وأبلغه.
الرابع : أنّ تحمل الآية على التقديم والتأخير ، ويكون تقديرها : إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقّوا العقاب أردنا إهلاكهم. والتقديم والتأخير في الشعر وكلام العرب كثير.
وأمّا قراءة من قرأ الآية بالتشديد فقرأ (أمّرنا) وقراءة من قرأها بالمدّ والتخفيف فقرأ (آمرنا) ، فلن يخرج معنى قراءتيهما عن الوجوه المذكورة إلاّ الوجه الأوّل ، فإنّ معناه لا يليق إلاّ بأن يكون ما تضمّنته الآية هو الأمر الذي يُستدعى به الفعل.
٣ ـ تأويل آية
قوله تعالى : (وَالأَرْضَ مَدَدْ ناها وَأَلْقَيْنا فيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فيها مِنْ كُلِّ شَيء مَوْزُون)(١) ، قال أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني : إنّما خصّ
__________________
(١) الحجر :١٩.