فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْميراً)(١).
في هذه الآية وجوه من التأويل :
الأوّل : أنّ الإهلاك قد يكون حسناً وقد يكون قبيحاً ، فإذا كان مستحقّاً أو على سبيل الامتحان كان حسناً ، وإنّما يكون قبيحاً إذا كان ظلماً ، فتعلّق الإرادة به لا يقتضي تعلّقها به على الوجه القبيح ، ولا ظاهر الآية يقتضي ذلك ، إذا علمنا بالأدلّة تنزيه القديم عن القبائح علمنا أنّ الأرادة لم يتعلّق إلاّ بالإهلاك الحسن ، وقوله : (أَمَرْنا مُتْرَفيها) المأمور به محذوف ، وليس يجب أن يكون المأمور هو الفسق وإن وقع بعده الفسق ، وإنّما يجري هذا مجرى قول القائل : أمرته فعصى ودعوته فأبى ، والمراد أنّني أمرته بالطاعة ودعوته إلى الإجابة ، والذي حسّن قوله : (وَإِذا أَرَدْنا .. أمَرنا) هو أنْ تكرّر الأمر بالطاعة والإيمان إعذاراً إلى العصاة وإنذاراً لهم وإيجاباً للحجّة عليهم.
الثاني : أن يكون قوله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيْها) من صفة القرية وصلتها ولا يكون جواباً لقوله : (وَإِذا أَرَدْنا) ويكون تقدير الكلام : وإذا أردنا أن نهلك قريةً من صفتها أنّا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ، وتكون إذا لم يأت له جواب ظاهر للاستغناء عنه ، بما في الكلام من الدلالة عليه لقوله تعالى : (حتّى إذا جاؤوها)(٢) الآية ، فلم يأت لإذا جواب.
__________________
(١) الإسراء : ١٦.
(٢) الزمر :٧٣ ؛ (وَسيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدين).