ومن هنا ظهروا على العالَم بنظريّة جديدة أدّت إلى انعكاسات خطيرة على مستوى الواقع الإسلامي ، من تكفير لكبار الشخصيّات ، وعلى رأسها الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكلّ المخالفين لنظريّتهم من المسلمين ، إضافةً إلى نشوب حروب عديدة ـ أوّلها النهروان ـ انتهت بسفك دماء آلاف المسلمين ، إلى غير ذلك من الانعكاسات ، وبذلك تشكّلت ظاهرة جديدة عُرفت باسم : (الخوارج) ، وقسّمت المسلمين إلى مؤمن وكافر(١).
وفي مقابل هذه النظريّة المتطرّفة ظهرت نظريّة متطرّفة أُخرى ، فيها شيء من الانفتاح المتطرّف في مقابل انغلاق الخوارج المتطرّف ، إنّها نظريّة (الإرجاء) ، فقد ركّزت هذه النظريّة على أنّ مرتكب الكبيرة يُرجأ أمره إلى الله تعالى مهما ارتكب من الجرائم والكبائر من ظلم وقتل ومعاصي ، وأنّه لا يحقّ لنا اعتباره كافراً ، أو قتله(٢) ، وقد استغلّ بنو أميّة هذه النظريّة ودعموها ؛ باعتبارها يمكن أن تبرّر أعمالهم الظالمة ، خاصّة وأنّهم أخذوا يواجهون تحدّي تيّار الخوارج الذي كان لا يتردّد في الإعلان عن كفرهم ، وخروجهم عن الدين(٣).
لقد أدّت النظريّتان المتطرّفتان المذكورتان ـ إضافة إلى آثارهما على الواقع الإسلامي ـ إلى تأثير كبير في الجانب النظريّ الكلاميّ ، حيث أدّتا إلى
__________________
(١) انظر : الكامل للمبرّد ، ص٥٦٧ وما بعدها.
(٢) انظر : فِرَق تسنن (بالفارسية) ، ص٢١٦ وما بعدها.
(٣) الانحرافات الكبرى ، ص٤٨٨.