في حياته العائلية قبل البعثة نجده يتيماً يسترضع في بني سعد ، ويفقد أبويه تباعاً ، ويحتضنه جده عبد المطلب حضانة العزيز المتمكن ، وبوفاته يوصي به لأبي طالب ، ويتزوج وهو فتى في الخامسة والعشرين من عمره من السيدة العربية خديجة بنت خويلد ، وكان زواجاً ناجحاً في حياة عائلية سعيدة ، تكّد وتكدح في تجارة تتأرجح بين الربح والخسران ، وفجأة الوحي الحق ، والتجأ إلى خديجة ، تزمله آناً ، وتدثره آناً آخر .
وينهض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعوته ، فتجد الدعوة مكذبين ومصدقين ، وتقف قريش بكبريائها وجبروتها في صدر الدعوة ، ويلقى الأذى والعنت من قومه وعشيرته الأقربين ، وفي حمأة الأحداث يموت كافله وزوجته في عام واحد ، فيكون عليه عام الأحزان ، فلا اليد التي قدمت المال للرسالة ، ولا الساعد الذي آوى وحامى ، ويوحى إليه بالهجرة ، فتمثل حدثاً عالمياً فيما بعد .
هذه لمحات يذكرها كل من يترجم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يطيل بها البعض ، ويوجز البعض الآخر ، وليست كل شيء في حياة النبي ، فقد تكون غيضاً من فيض .
ولست في صدد تأريخية هذه الأحداث ، ولا بسبيل برمجتها ، لألقي عليها ظلالاً مكثفة من البحث ، ولكنها لمسات تمهيدية تستدعي الإشارة فحسب .
ومهما يكن من أمر ، فقد تبقى طريقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المنهجية في التوفيق بين واجباته الروحية ومهماته القيادية من جهة ، وبين حياته العامة ومساره الدنيوي من جهة ثانية ، لا تجد تأريخاً يمثل بدقة ووضوح تأمين المنهج الرئيسي الذي اختطه لنفسه هذا القائد العظيم وهو في مكة المكرمة .
في المدينة المنورة حيث العدد والعدة ، والنصرة والفداء ، نلمس إيحاءً قرآنياً بنقطتين مهمتين :
الأولى
: مواجهته للمنافقين وتحركهم جهرة وخفاءً
، وتذبذبهم إزاء الرسالة بين الشك المتمادي ، والتصديق الكاذب ، يصافحون أهل الكتاب تارة ، ويوالون مشركي مكة تارة أخرى ، حتى ضاق بهم ذرعاً ، ونهاهم