( قُلْ إنما أنا بشرٌ مثلُكُْم يُوحَى إليّ أنما إلهكُمُ إلَهٌ واحِدٌ ... (١١٠) ) (١).
وفي هذا الضوء ، فإن ما يوحى به إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يخلو : إما أن يكون تعليمات يؤمر بإشاعة مفاهيمها بين الناس بحال من الأحوال ، وإما أن يكون كلاماً يؤمر بتدوينه ، ويثبته الله في قلبه ، ويتلوه بلسانه ، فيكون كتاباً فيما بعد ، وإلى هذا أشار الزهري بقوله :
« ما يوحي الله به إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه ، فيتكلم به ويكتبه ، وهو كلام الله. ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ، ولا يأمر بكتابته ، ولكنه يحدث الناس به حديثا ، ويبين لهم أن الله أمره ، أن يبينه للناس ويبلغهم إياه » (٢).
والقرآن الكريم من النوع الذي ثبت في قلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتكلم به وأمر بكتابته وتدوينه ، بعد إنزاله وحيا من قبله.
وقد أورد الزركشي عن السمرقندي ثلاثة أقوال في المنزل من القرآن :
١ ـ أنه اللفظ والمعنى ، وأن جبرائيل عليهالسلام حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به.
٢ ـ إن جبرائيل عليهالسلام إنما نزل بالمعاني الخاصة ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علم تلك المعاني ، وعبّر عنه بلغة العرب.
٣ ـ إن جبرائيل عليهالسلام ، إنما ألقي إليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب (٣).
والأول هو الصحيح دون ريب ، لأن جبرائيل عليهالسلام وصف بالروح الأمين لأمانته المتناهية ، فلا يضيف ولا يغير ، ولا يبدل ولا ينسى ، ولا يخوّل ولا يتجوز ، كيف لا وهو روح القدس بقوله تعالى : ( قُلْ نزَّلَهُ روحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ ... (١٠٢) ) (٤).
__________________
(١) الكهف : ١١٠.
(٢) السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٢٨.
(٣) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٢٩ + السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٢٦.
(٤) النحل : ١٠٢.