( ثمَّ تولَّوْا عنهُ وقالُوا معلّمٌ مجنونٌ (١٤) ) (١).
وقد دلت الأحداث الاستقرائية ، والسيرة الذاتية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على رجاحة عقله ، واتزانه في تصرفاته ، وتأكد لهم افتراؤهم بما شاهدوه من مجريات الأمور ، وقد لبث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيهم حقبا طويلة قبل البعثة ، فما مسكوا زلة ، ولا أدركوا غفلة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النكتة الدقيقة بقوله :
( فقدْ لبثتُ فيكُمْ عُمُراً من قبلِهِ أفلا تعقلونَ ) (٢).
وترددوا بقول الكهانة من بعد الجنون ، فرد افتراءهم القرآن بما أمره به : ( فذكِّرْ فما أنتَ بنعمتِ ربِّكَ بكاهنٍ ولا مجنونٍ (٤٢) ) (٣).
فما كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بشيرا ونذيرا ، وما كان الوحي إلا ذكراً للعالمين ، فأين هو من الكهانة ( ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً ما تذكّرونَ ) (٤).
وحينما أعيتهم الحيلة ، ووقف بهم المنطق السليم ، انطلقوا إلى القول : ( إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثَرُ ) (٥) شأنهم في هذا شأن من تقدمهم من الأمم مع أنبيائهم ورسائلهم ، حذو القذة بالقذة ، من الادعاءات ، قال تعالى : ( كذلكَ ما أتَى الّذينَ من قبلِهِم من رّسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ (٥٢) ) (٦) وقد علموا جدياً ، أن محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم في أصالته العقلية ، أبعد ما يكون عن السحر والشعبذة والتمويه من قبل ومن بعد.
وتمسكوا بأوهن من بيت العنكبوت ، فأشاعوا بكل غباء أن لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم معلماً من البشر ، وهو غلام رومي يمتهن صناعة السيوف بمكة ، فألقمهم القرآن حجراً بردهم رداً فطرياً : ( لسانُ الذي يُلحدونَ إليهِ
__________________
(١) الدخان : ١٤.
(٢) يونس : ١٦.
(٣) الطور : ٢٩.
(٤) الحاقة : ٤٢.
(٥) المدثر : ٢٤.
(٦) الذاريات : ٥٢.