ألف فارس يمانعه عن المسير بأمره ، وقد بعثه الحصين بن تميم التميمي وكان على مسلحة الطف التي نظمها ابن زياد من البصرة إلى القادسية ، فصلّى بهم الحسين الظهر ، ثمّ خطبهم فقال : « أيّها الناس إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم أن اقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ ، فإن كنتم على ذلك فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم » (١) فسكتوا عنه.
ثمّ صلّى بهم العصر فخطبهم فقال : « أيّها الناس إنّكم إن تتقوا الله وتعرفوا أنّ الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمّد أولى الناس بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلاّ كراهية لنا وجهلا بحقّنا ، وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم وقدمت عليّ به رسلكم انصرفت عنكم ». فقال له الحر : والله ما أدري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين لعقبة بن سمعان غلام لزوجته الرباب ابنة امرئ القيس : قم فأخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم. فأتى بهما فنثرت بين يديه ، فقال الحر : إنّا لسنا منهم ، وقد أمرنا بملازمتك وإقدامك الكوفة على عبيد الله بن زياد ، فأبى الحسين وترادّا القول في ذلك ، ثمّ رضيا بكتابة الحر إلى ابن زياد في الاستيذان بالرجوع إلى مكّة ، فأجابه بالتضييق على الحسين والقدوم به عليه ، فأبى عليه الحسين عليهالسلام فجعل يسير والحرّ يمانعه ، ثمّ عزم على السير في طريق لا يرجع به إلى مكّة ولا يذهب به إلى الكوفة فتياسر والحر يلازمه (٢). فنزل وخطب أصحابه فقال : « أما بعد فإنّه قد نزل بنا من
__________________
(١) الإرشاد : ٢ / ٧٩. وفيه زيادة : ولم يتكلم أحد منهم بكلمة.
(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ٨٠ ـ ٨١.