الأمر ما قد ترون ، ألا وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟! فليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّا فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما » (١). فقام أصحابه وأجابوه بما اقتضى خالص الدين وأوجب محض الإيمان ، فركب وتياسر عن طريق العذيب (٢) والقادسيّة ، فمرّ بقصر بني مقاتل ثمّ سار ، فأتى إلى الحر أمر من عبيد الله بالتضييق عليه ، فنزل كربلا يوم الخميس ثاني محرّم الحرام من سنة إحدى وستين وضرب أخبيته هناك ، فأتاه عمر بن سعد بالسيل الجارف من الرجال والخيل حتّى نادى منادي ابن زياد في الكوفة ألا برئت الذمة ممن وجد في الكوفة لم يخرج لحرب الحسين عليهالسلام ، فرئي رجل غريب فأحضر عند ابن زياد فسأله فقال : إنّي رجل من أهل الشام جئت لدين لي في ذمّة رجل من أهل العراق. فقال ابن زياد : اقتلوه ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد فقتل.
وكان عمر بن سعد أراد الموادعة فسأل الحسين عليهالسلام عما أتى به فأخبره ، وخيّره بين الرجوع إلى مكّة واللحوق ببعض الشعوب النائية والجبال القاصية ، فكتب بذلك إلى ابن زياد فأجابه بالتهديد والإيعاد وباعتزال العمل وتوليته لشمر بن ذي الجوشن إن لم ينازل الحسين عليهالسلام أو يستنزله على حكمه ، فوصل الكتاب إلى عمر بن سعد في اليوم السادس من المحرّم ، وقد تكامل عنده من الرجال عشرون ألفا ، فقطع المراسلات بينه وبين الحسين وضيّق عليه ومنع عليه ورود الماء وطلب منه إحدى
__________________
(١) راجع المعجم الكبير للطبراني : ٣ / ١١٤ ، ح ٢٩٤٢ ، الحدائق الوردية : ١١٣ ، ذخائر العقبى : ١٥٠.
(٢) عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ما بين القادسيّة والمغيتة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال. راجع معجم البلدان : ٤ / ٩٢.