قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) قال الله تعالى : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) ، (١) فإنّه يظهر منه أنّه أراد بإحياء الموتى تأليف الأجزاء المتفرّقة بالموت.
( وإثبات الفناء غير معقول ؛ لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ، ولانتفاء الأولويّة ، ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).
ذهب أبو عليّ وأبو هاشم وأتباعهما إلى أنّ الله تعالى يخلق لكلّ جوهر فناء ، فقال أبو هاشم : إنّ فناء واحدا يكفي لإفناء الكلّ ، والمصنّف أبطل هذا المذهب.
ولمّا كان مشتملا على ثلاثة دعاو :
أحدها : أنّ الفناء موجود.
وثانيها : أنّه مناف لما سواه من الموجودات.
وثالثها : أنّه يفنى به الموجودات ، جعل إبطال كلّ منها وجها على حدة.
أمّا إبطال أنّ الفناء موجود ؛ فلأنّه لو كان موجودا وقد كان معدوما قبل وإلاّ لم يكن ما فرضناه فانيا موجدا أصلا. فعدمه إمّا لذاته ، فيلزم الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي أو الوجوب ، وإلاّ لم يقبل الوجود. وإمّا بسبب وجود ضدّه ، وحينئذ يستلزم التسلسل. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).
وأمّا إبطال أنّه مناف لما سواه ؛ فلأنّه لو كان قائما بذاته كان جوهرا فلا يكون ضدّا للجوهر ، وإن كان قائما بغيره فلا بدّ وأن يكون قائما بجوهر ابتداء أو بواسطة ، فلا يكون على هذا التقدير أيضا ضدّا للجوهر ، فلا يكون على التقديرين منافيا للجوهر. وإلى هذا المعنى أشار بقوله : « لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ».
وأمّا إبطال أنّه يفنى به الموجودات ؛ فلأنّ إعدامه لموجود ليس أولى من إعدام ذلك الموجود إيّاه ، أعني منعه من الدخول في الوجود ، بل يقال : هذا أولى من ذلك ؛
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٦٠.