والمضغة والعظام وهكذا صاعدا ، في مقابلة تلك العوالم ألف ألف رتبة من الترقّي آخرها لا انتهاء لها ، فهي باقية ببقاء الله سبحانه بلا نهاية.
فهذا الجسد المحسوس هو بعينه المعاد ، وهو بعينه متعلّق الثواب والعقاب ، لا يشكّ في ذلك إلاّ من يشكّ في إسلامه ؛ لأنّ هذا من أصول الإسلام. ولكن أصله مادّة نوريّة كلّما نزلت جمدت ، مثل الحجر الأسود ، وهو ملك فلمّا نزل كان حجرا.
ومثل جبرئيل ، هو جوهر مجرّد عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فإذا أنزل لبس صورة دحية الكلبي أو غيره ، فكذلك هذا الجسم كان نورا مجرّدا عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فأخذ يتنزّل إلى أن وصل إلى الزمان والعناصر ، فلبس هيئتها وكثافتها أعني الصورة المعبّر عنها بالمادّة العنصريّة والكثافة البشريّة.
[ و ] مثل الماء ، هو لطيف ، فإذا جمد لبس الصورة الثلجيّة ، فإذا ذاب عاد إلى أصله من غير أن يختلف إلاّ بمحض الصورة المعبّر عنها بالجسد العنصري ، فإذا جمد ذلك الماء مرّة ثانية لم يعد إليه الجمود الأوّل فلبس جمودا ثانيا مع أنّه بعينه هو ذلك الماء لم يتغيّر مع أنّه قد تغيّر.
وهذا هو مرادنا بالجسد الأوّل الذي لا يعود ، فالموجود في الدنيا بعينه ـ وهو المرئيّ بالبصر ـ هو جسد الآخرة بعينه لكنّه كسر في أرض الجرز ، أرض القابليات ، وصيغ في العقول معنى ، ثمّ صيغ ذلك المعنى في رتبة الأرواح رقيقة ، ثمّ صيغت في النفوس نفسا ، ثمّ كسرت في الطبيعة وحصّصت حصصا في جوهر الهباء وتعلّقت بها الصور في المثال ، ثمّ كسرت في محدّد الجهات ، ومنه إلى الرياح ، ومنه إلى السحاب ، ومنه إلى المطر والأرض والنبات ، ثمّ صيغت نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاما ، ثمّ كسي لحما وأنشئ خلقا آخر فكان إنسانا في هذه الدنيا ، ثمّ كسر في القبور ، ثمّ يصفّى في الأرض ، بمعنى أنّ الأرض تأكل جميع ما فيه من الغرائب والأعراض الكثافات المعبّر عنها بالجسد العنصري ، ويخرج يوم القيامة هذا الجسد