إلى أن قال : « وأمّا الجسد الثاني فهو الجسد الباقي ، وهو الطينة التي خلق منها ويبقى في الأرض إذا أكلت الأرض الجسد العنصري وتفرّق كلّ جزء منه ولحق بأصله ، فالناريّة تلحق بالنار ، والهوائيّة تلحق بالهواء ، والمائيّة تلحق بالماء ، والترابيّة تلحق بالتراب ، يبقى مستديرا كما قال الصادق (١). وقد قال عليّ عليهالسلام في النفس النامية النباتيّة : « فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدئت ، عود ممازجة لا عود مجاورة ». وعنى بها هذا الجسد العنصري الذي ذكرنا.
وأمّا الثاني الباقي هو الذي ذكره الصادق عليهالسلام : « تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة » (٢) أي مترتّبة على هيئة صورته ، أجزاء رأسه في محلّ رأسه ، وأجزاء رقبته في محلّها ، وأجزاء صدره في محلّه ، وهو تأويل قوله تعالى : ( وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (٣). وهذا الجسد هو الإنسان الذي لا يزيد ولا ينقص ، يبقى في قبره بعد زوال الجسد العنصري عنه الذي هو الكثافة والأعراض ، فإذا زالت الأعراض عنه المسمّاة بالجسد العنصري لم تره الأبصار الحسيّة ؛ ولهذا إذا كان رميما وعدم لم يوجد شيء حتّى قال بعضهم : إنّه يعدم ، وليس كذلك وإنّما هو في قبره إلاّ أنّه لم يره أبصار أهل الدنيا ؛ لما فيها من الكثافة ، فلا ترى إلاّ من هو من نوعها.
ولهذا مثّل به الصادق عليهالسلام بأنّه : « مثل سحالة الذهب في دكّان الصائغ » (٤) ، يعني أنّ سحالة الذهب في دكّان الصائغ لم ترها الأبصار ، فإذا غسل التراب بالماء وصفّاه استخرجها ، كذلك هذا الجسد يبقى في قبره هكذا ، فإذا أراد الله ـ سبحانه ـ بعث الخلائق أمطر على كلّ الأرض ماء من بحر تحت العرش أبرد من الثلج ، ورائحته
__________________
(١) « الكافي » ٣ : ٢٥١ ، باب النوادر من كتاب الجنازة ، ح ٧ ؛ « الفقيه » ١ : ١٢١ ، ح ٥٨٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) الصافّات (٣٧) : ١٦٤.
(٤) « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٠ ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ٧ : ٣٨ ، بهذا اللفظ : « فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ».