وبالجملة : فزيد مثلا يمرض ويكون في غاية الضعف وهو زيد ؛ لأنّ ما يتحلّل من لحمه ليس من جسمه الحقيقي الذي هو القبضات المشار إليها ، وإنّما يتحلّل منه ما طرأ على تلك القبضات من المآكل ، وكذلك يضعف زيد ويسمن سمنا كثيرا وهو زيد ؛ لأنّه لم يزد في القبضات شيء ، وإنّما الزيادة من الأغذية التي ليست من جنس القبضات ؛ لأنّه لو أخذت سحالة ذهب ومزجتها بمثالها ترابا وعملت من الجميع صورة الشيء وكانت قيمة تلك الصورة ونورانيّتها إنّما تتعلّق بما فيها من سحالة الذهب ، وكذا الحسن ، فإذا أزلت تلك الصورة وصفّيت ما فيها من الذهب ثمّ مزجتها بتراب جديد وعملت تلك الصورة بعينها كانت القيمة هي القيمة قبل ، وتتعلّق بما تعلّقت به من قبل من غير مغايرة وهي بنفسها هي الأولى ، فلا يضرّ تغيير تلك الصورة وضع الصورة الأخرى ؛ لبقاء الأجزاء الأصليّة التي هي متعلّق القيمة والحسن.
وأصل هذه القبضات من مادّة نوريّة مجرّدة ومن صورة نوعيّة. فهذه حقيقة جسم الإنسان المثاب والمعاقب المفاض عليه النفس لكن بواسطة الصورة الشخصيّة إن أردت بالنفس نفسه المختصّة به.
وإذا رجع كلّ شيء إلى أصله رجع منه ما طرأ عليه إلى أصله لا إلى ما طرأ ، ولا ينقص منه شيء ، فلو أنّ رجلا أكل لحوم الآدميّين واغتذى بها حتّى نما وكبر ، ورجع كلّ شيء إلى أصله ، ورجع منه ما طرأ عليه ، ولا يرجع إلى الآدميّين بل يرجع إلى التراب ؛ لأنّ الذي اغتذى به أصله التراب. وأمّا أجسام الآدميّين فإنّها لا تكون غذاء ؛ لأنّها أصليّة فهي فوق القوّة الهاضمة وأعلى منها فلا تحلّها ؛ إذ القوّة الهاضمة عنصريّة ، والأجزاء الأصليّة أعلى من العناصر ثمان مراتب. والأرواح بينها وبين الأجسام كمال المناسبة والمقاربة ، وإنّما نفرت منها لما لحق الأجسام من الأمور الغريبة الأجنبيّة كالعناصر والتركيبات ، فإذا مات المرء ودفن في الأرض وأكلت