والدليل عليه الإجماع ؛ فإنّ القائل قائلان : قائل بوجوبه مطلقا ، وقائل بوجوبه باستنابة الإمام ، فقد اتّفق الكلّ على وجوبه في الجملة ، والكتاب كقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (١). والأمر ظاهر في الوجوب.
والسنّة كقوله صلىاللهعليهوآله : « لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلّطنّ شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » (٢). توعّد على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو دليل الوجوب ( وإلاّ ) أي وإن لم يجبا شرعا بل وجبا عقلا ( لزم ما هو خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله تعالى ) واللازم ظاهر الفساد.
بيان الملازمة : أنّهما لو وجبا عقلا لوجب على الله ؛ لأنّ كلّ واجب عقلي فهو واجب على من حصل في حقّه وجه الوجوب. ولو كانا واجبين على الله ، فإن كان فاعلا لهما وجب وقوع المعروف وترك المنكر ، فيلزم خلاف الواقع ، وإن كان تاركا لهما يلزم الإخلال بحكمة الله ؛ لأنّه تعالى أخلّ بالواجب العقلي.
( وشرطهما علم فاعلهما بالوجه ) أي شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعلهما عالما بأنّ ما يأمر به معروف وأنّ ما ينهى عنه منكر ، وأنّ ذلك ليس من المسائل الاجتهاديّة التي اختلف فيها اعتقاد الآمر والمأمور والناهي والمنهيّ. ( وتجويز التأثير ) أي شرطه الآخر أن يجوّز في ظنّه تأثير أمره ونهيه وإفضائهما إلى المقصود ، فإنّه إذا لم يظنّ أنّهما يفضيان إلى المقصود لا يجبان عليه.
( و ) الشرط الآخر تجويز انتفاء المفسدة ، أي أن يظنّ أن لا مفسدة لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى بعض إخوانه ؛ إذ لو انتفى هذا الظنّ لا وجوب عليه.
وينبغي أن لا يتجسّس عن أحوال الناس ؛ للكتاب والسنّة.
__________________
(١) آل عمران (٣) : ١٠٤.
(٢) « تهذيب الأحكام » ٦ : ١٧٦ ، ح ٣٥٢ ، نحوه.