الإنسانية بالعبودية للّه تعالى والخضوع الواعي والطوعي لسلطته ، وبين القوانين الوضعية التي تُلقي بالإنسان في تيهٍ لا يتفق مع قدرته ولا مع طبيعته.
ومن هنا لا بدَّ من توازن بين الحرية والعبودية ، وليس هناك توازن في هذا السبيل يطلق قدرات الإنسان ، ويحافظ على طبيعته في آن واحد ، إلاّ بما نجده في الإسلام ؛ عبودية للّه ، وحرية من سائر العبوديات ، فلا تكتمل حرية العبد إلاّ بعبوديته للّه .. ولا تكتمل عبوديته للّه إلاّ بتحرره من عبادة سواه ، فهنا توازن واتّساق واضح بين الجانب الاجتماعي والجانب الإيماني في شخصية المسلم عن طريق الحرية كما يراها الإسلام (١).
وعلى ضوء ما تقدم ، فالعقيدة تُقرِّر حقيقة أساسية هي أنّ جوهر الحرية الحقيقية ، هو العبودية للّه ، لأنّها تعني التحرر من جميع السلطات الجائرة ، وليس في العبودية للّه أي امتهان لكرامة الإنسان ، بل هي على العكس من ذلك تعزّز شخصيته وتحافظ على مكانته ،
فقد كان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يتشرف بكونه عبدا للّه ، ويحب أن يطلقوا عليه صفة « العبودية » ويرفض الغلوّ الذي قد يؤدي إلى التأليه الباطل ، كما حصل لأهل الكتاب على الرغم من التحذير الإلهي لهم من الغلو في أشخاص رسلهم ، قال تعالى : ( يأهلَ الكِتَابِ لا تَغلُوا في دينِكُم ولا تقُولُوا على اللّه إلاّ الحَقَّ إنَّما المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ رسُولُ اللّه وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ
__________________
(١) معالم شخصية المسلم ، للدكتور يحيى فرغل : ٧٩ ـ ٨٠ ، منشورات المكتبة العصرية ـ طبعة عام ١٣٩٩ ه.