فهل يراد من العبارة الوجه الأول ـ أعني كون الدليل ناظرا إلى الدليل في مقام دلالته بتعبير ، أو المدلول بما هو مدلول بتعبير آخر ـ أو الوجه الثاني ، وهو كونه ناظرا إلى المدلول بذاته من دون نظر إلى دلالة الدليل عليه؟.
الظاهر من صدر العبارة ـ وهو ما ذكرناه ـ هو الأول. فان التعبير بالنظر إلى الدليل وبيان حاله ورفع الحكم الثابت بالدليل ظاهر في كون النّظر إلى مقام الدلالة والإثبات والمدلول بما هو مدلول لا نفس المدلول وذاته ، وان المنظور إليه هو الدليل ، كما لا يخفى.
ولكن هناك امرين قد يدعى صلاحيتهما للقرينة على كون المراد بالعبارة المذكورة هو الوجه الثاني :
الأمر الأول : ما ذكره بعد هذا مثالا للحكومة من حكومة الدليل الدال على أنه لا شك لكثير الشك على الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الشك ، بتعليل ذلك ـ أعني : الحكومة ـ بأنه لو فرض انه لم يرد من الشارع حكم المشكوك لم يكن مورد للدليل النافي لحكم الشك. فان التعليل بورود حكم المشكوك يظهر منه ان الدليل النافي ناظر إلى نفس الأحكام الثابتة للشك ونفيها لا إلى الدليل الدال عليها وتعيين مقدار دلالته ، وإلاّ لكان الأولى التعليل بورود الأدلة على حكم الشك وكون النّظر إليها.
الأمر الثاني : جعله الدليل الدال على التنزيل الموجب لتوسعة الموضوع من موارد الحكومة ـ كما هو صريح عبارته الأولى ـ ، مع انه ناظر إلى ثبوت الحكم للمنزّل لا إلى دلالة الدليل الآخر ـ كما سيتضح ـ.
إلا ان الأمر الأول لا يصلح للقرينة لعدم تماميته ، وذلك لأن التنزيلات المتكفلة لتضييق دائرة الموضوع ، سواء في الموضوعات التكوينية أو الموضوعات الشرعية انما تصح فيما إذا كان للموضوع التكويني أو الشرعي أثر ما. فتنزيل : « زيد » منزلة الإنسان انما يصح لو كان هناك أثر يترتب على الإنسان وإلاّ لكان