فإن ما كان يعنى الإمام من التفسير هو فهم الكتاب من حيث هو دين ، وهداية من الله للعالمين ، جامعة بين بيان ما يصلح به أمر الناس فى هذه الحياة الدنيا ، وما يكونون به سعداء فى الآخرة ، ويتبعه ـ بلا ريب ـ بيان وجوه البلاغة بقدر ما يحتمله المعنى ، وتحقيق الإعراب على الوجه الذى يليق بفصاحة القرآن وبلاغته عند الحاجة إلى ذلك.
وللتفسير فى نظر الإمام مراتب :
أدناها : أن يبين بالإجمال ما يشرب القلب عظمة الله وتنزيهه ، ويصرف النفس عن الشر ، ويجذبها إلى الخير ، وهذه التى تتيسر لكل أحد ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ).
وأما المرتبة العليا فهى لا تتم إلا بأمور :
أحدها : فهم حقائق الألفاظ المفردة التى أودعها القرآن بحيث يجد المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة ، غير مكتف بقول فلان وفهم فلان.
ثانيها : الأساليب ، فينبغى أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفعية ، وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته ، مع التفطن لنكته ومحاسنة ، والعناية بالوقوف على مراد المتكلم منه.
ثالثها : علم أحوال البشر ، فقد ورد فى القرآن من الحديث عن أحوال الخلق وقصص الأمم والسنن الالهية فى البشر ما يجعل العلم بأطوار البشر وأدوارهم ومناشئ اختلاف أحوالهم من ألزم الأمور.
رابعها : العلم بوجه هداية البشر كلهم بالقرآن بمعرفة ما كان عليه الناس فى عصر النبوة من العرب وغيرهم وما كانوا عليه من العوائد.
خامسها : العلم بسيرة النبى صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف فى الشئون دينويها وأخرويها.
والغرض الأول الذى دعا إليه فى قراءة التفسير ، استجماع تلك الشروط لأجل ان تستعمل لغايتها وهى محاولة فهم المراد من القول ، وحكمة التشريع فى