قد غفلوا عن أنه هو خالقهم فلينظروا إلى السماء وإلى الأرض ، فيعلموا أن من خلقهما وأنشأهما لا يصعب عليه خلقهم ، ولا يسعهم إنكار أن خالق السماء والأرض هو الله ، فكيف ينكرون أنه خالقهم ، وأنه القادر على إعادتهم كما بدأهم؟ ( أشدّ خلقا ) أصعب انشاء ..
( بناها ) بيان لكيفية خلق السماء ، والبناء ضم الأجزاء المتفرقة بعضها إلى بعض مع ربطها بما يمسكها حتى يكون عنها بينة واحدة ، وهكذا صنع الله بالكواكب وضع كل منها على نسبة من الآخر مع ما يمسك كلا فى مداره حتى كان منها عالم واحد فى النظر سمى باسم واحد وهو السماء التى تعلونا ، وهى معنى قوله :
( رفع سمكها فسوّاها ) والسمك قامة كل شىء ، فقد رفع اجرامها فوق رءوسنا.
( فسوّاها ) عدلها بوضع كل جرم فى موضعه ( أغطش الليل ) أظلمه ، وغطش الليل أظلم ونسبة الليل إلى السماء لأنه يكون بعقيب كواكبها ( ضحاها ) نورها وضوء شمسها ، قال تعالى والشمس وضحاها أى ضوؤها ، وتعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول التابع لحركة بعض السيارات يهيئ الأرض للسكنى ، وهو معنى قوله ( والأرض بعد ذلك ) تسوية السماء على الوجه السابق وابراز الأضواء ( دحاها ) أى مهدها وجعلها قابلة للسكنى ، وذلك بأن ( أخرج منها ماءها ) بتفجير الينابيع والعيون والأنهار ، ( ومرعاها ) أى رعيها ، وهو النبات الذى يأكل منه الناس والدواب ، وتثبيت الجبال وجعلها مانعة من اضطراب الأرض من تتمة التمهيد واعداد الأرض لسكنى الأحياء ، وهو متأخر عن الاستعداد الأول لا نبات النبات وإن كان برور الجبال سابقا على ذلك ، وقد جعل الله ذلك كله ليتمتع به الناس والأنعام أفلا يكون صانع ذلك كله هو صانعكم؟ أفلا يكون خالقكم وواهبكم ما به تحبون ورافع السماء فوقكم وممهد الأرض تحتكم ، قادرا على بعثكم ، وهل يليق به أن يترككم سدى بعد أن دبركم هذا التدبير ، ووفر لكم هذا الخير الكثير؟